أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس ..~
ينظر الكثيرون إلى من حولهم ويزيد نقدهم لهم , بل ويتركوا أنفسهم تلتقط عيوب الآخرين , فيصيرون بصيرين بعيوب الناس وذنوبهم ونقائصهم غافلين عن عيوبهم وذنوبهم
وغالب الناس لا يرون عيوب أنفسهم , بل كل منهم معجب بطريقة تفكيره , فخور بعقله , تيه بذاته , مهما كان مليئا بالعيوب والنقائص والجهالات , لكنه غالبا يعجز عن مجرد اكتشافها , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه " أخرجه ابن حبان وصححه الألباني , وقال أبو حاتم بن حبان رحمه الله: الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه، ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من عيب أخيه، وإن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه، وتعب بدنه، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه، وإن من أعجز الناس من عاب الناس بمافيهم، وأعجز منه من عابهم بما فيه، ومن عاب الناس عابوه، ومن ذمهم ذموه " , وقال عون بن عبد الله : " لا أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه " , وعن محمد بن سيرين قال: " كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس "
وقد يقترف البعض كثيرا من السلوكيات التي قد تسقطه وتبعده عن ربه , لكنه عندما يلقى ربه يكون شهيدا على نفسه , عالما بما قدم وأخر , حتى مهما اعتذر وأنكر .. قال سبحانه " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا "
لكن معرفة الإنسان بعيوب نفسه والعمل على تلافيها وعلاجها قد يكون سببا في عودة الحياة مرة أخرى إلى قلبه الذي أوشك على الموت ..
فكيف إذن يستطيع المرء أن يكتشف عيوبه ويدركها ومن ثم يعالجها ويتوقاها ؟
1- لعل أول طريقة في ذلك أن ينظر الإنسان لنفسه بعين التواضع من حيث هو مقصر ناقص الأداء , فإن أصل العيوب تكون من معصية أو غفلة أو إحساس الإنسان بالرضا عن نفسه , فيستحسن أحوالها , فتحجب عنه عيوبه .
2- أما الطريقة الثانية لكشف عيوب النفس فهي الصحبة الصالحة والصداقة الوفية , فهو يرى سلوكياتهم الطيبة وخصالهم العليا , ويتعلم منهم , وقد يجد من الصديق الصالح النصيحة الصريحة والتوجيه المستقيم , فالمسلم مرآة أخيه .
3- عليه ألا يفرح بمدح الناس له ولا بتعظيمهم لأفعاله , بل يجب أن ينظر لنفسه أنه لا يستحق الثناء منهم على شىء هو يعلم أنه لايستحقه , كما كان الصالحون يقولون إذا ما مدحوا : " الهم اغفرلي ما لا يعلمون واجعلني خيرا مما يظنون ولا تؤاخذني بما يقولون " , وقد ذم الله قوما أحبوا أن يمدحوا بما لم يفعلوا .
4- أن يستفيد المرء بمعرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه , فإن عين السخط تبدي المساوىء , ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكر عيوبه , أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفي عيوبه ويثني عليه .
فالبصير بنفسه يلتقط كثيرا من الثمار الطيبة , فيعودها ويعلمها الخوف من الله سبحانه , حيث يجد ثمرة ذلك الورع وقصر الأمل , وعليه أن يقويها بالإيمان بلقاء ربه , حيث يجد من ذلك ثمرة الزهد والتقليل من الدنيا , ويعودها القناعة , فيجد في قلبه ثمرة الرضا وعدم حب وامتلاك مافي يد غيره , ويعود نفسه الذكر الدائم فلايزال لسانه رطبا من ذكر الله فيجد ثمرة ذلك حياة قلبه , وعليه أن يربي نفسه على الإيمان بالقدر فيجد ثمرة ذلك الصبر والرضا بقضاء الله شره وخيره , ويحفزها على دوام التأمل في أسماء الله وصفاته فذلك يثمر المعرفة ويعلم الإنسان تعظيم الخالق ويعودها كثرة التوبة والاستغفار , ويعلمها العزيمة والصبر فيجد ثمرة ذلك صبرا على الطاعات وصبرا في البعد عن المعاصي , فيجد من الله سبحانه بشرى الصابرين , ويعودها مراقبة الله تعالى فيثمر ذلك الحياة من الله سبحانه , فعند ذلك يعالج الإنسان عيوب نفسه , وتنتقل بصيرته لليقين بالله سبحانه , ويساعده على ذلك بأن ينقل قلبه من دار الدنيا فيسكنها دار الآخرة .
والبصير بنفسه لايجعلها محلا للشكوك ولا الريب , فيصون جوارحه من الحرام , ويبني شخصيته على أسس متينة تبعده عن ألسنة القيل والقال , فهو عفيف لايروج للرذيلة , ولايضع نفسه في موضع لايليق به .
والأعمال والأفعال وليدة من دوافع مكنونة في القلب , فصفاء القلب وتنوره بالتوحيد ينقيها من شوائب الشرك بالله , فيصدق بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة التي لاشائبة فيها , ويعلم أن الإسلام هو التجرد من صور الشرك بأجمعها والانقياد والاستسلام والخضوع له سبحانه .
والبصير بنفسه يعلو بها , ومهما أثقل عليها فهو سبيل لإصلاحها , وهو مقدمة للإقدام على الله سبحانه بأمل صالح وعهد وضاء .
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويمن كتابنا ويسر حسابنا وضاعف ثوابنا .